الجمعة، ١ شوال ١٤٣١ هـ

كمال النعيم و كمال العذاب

لماذا نعيم الجنة في غاية السرور و الحبور مع الخلد الدائم؟ لماذا عذاب النار في غاية الألم و العذاب مع الخلد الدائم؟

الواقع أن هذا هو عين الحكمة...

أما نعيم الجنة - رزقنا الله و إياكم إياها- فهو في غاية الكمال لأنه ليس عوضاً للعمل، بل هذا النعيم في غاية الكثرة و الكمال لكمال كرم الله و ليس لكثرة عمل العبيد فكمال النعيم متعلق بالله لا بالعبد. و إلا فهل اثنا عشر ركعة - مثلاً -تعتبر عوضاً مكافئاً لبيت دائم في الجنة غاية في العظمة و الترف؟ و الله لو صليت لأحد من أهل الدنيا اثني عشر ركعة لما اعطاك خيمة! و لكن المعطي غير المعطي!

أما عذاب النار- أعاذنا الله و إياكم منها- فهو في غاية العذاب و الألم لأنه بالذات عوض للذنب من كفر و شرك و كبائر- أي عكس ما سبق-. فمن نظر بعين البصيرة علم أن الإصرار على معصية الله - مع العلم بعظمة الله و كماله وتواتر نعمه- ذنب غاية في الشناعة. فمن كابر أو عبد هواه فكفر أو وقع في الكبائر و الموبقات فقد ناسب أن يعاقب بمثل هذا العقاب.

 و لو عاش الكافر إلى الأبد، لعصى إلى الأبد و لما نزع، قال تعالى ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) فنساب أن يكون عذابه سرمدياً. 

نسأل الله من فضله و نعوذ بالله من سيئات أعمالنا.

و الله أعلم 

الأحد، ٨ رجب ١٤٣١ هـ

كل يوم نذبح اسماعيل

قصة ابراهيم و ابنه اسماعيل عليهما السلام- على الرغم من شهرتها - قصة لا ينقضي منها العجب لما فيها من التسليم المطلق لله تعالى.

التسليم لله هو تقديم رضاه على رضاك و أمره على عقلك.

و في كل يوم نفتن ... و في كل يوم علينا أن نذبح هوانا لله تعالي و بذلك تنال الجنة.

عوائق في الطريق

أثناء طريق الاستقامة ، تواجه الإنسان عوائق و منها:

1- التعلق بغير الله إرادة أو تصديقاً أو استعانة:

فمن التعلق بغير الله إرادة: التعلق بالحال أو ما يشعر به المرء في قلبة و هذا مزلة قدم الصوفية. فالحال يجيء و يذهب و الانسان ينشط و يكسل و في النهاية كل هذه من حظوظ النفس. و اذكر أني قرأت لشيخ الإسلام أن حتى عباد الأوثان لهم أحوال. و لكن الشأن طاعة الله في المنشط و المكره و في إقبال النفس و إدبارها و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم: "لكل عابد شره و لكل شرة فترة. فمن كانت فترة إلى سنتي فقد أفلح" 

و من التعلق بغير الله تصديقاً و خبراً: التعلق بالرأي و العقل و الفكر و هذه مزلة قدم المعترلة و المتفلسفة و أصحاب الأنظمة الاجتماعية و السياسية و ماشابه. إن الله يأمر بالتفكر و التعقل و لكن لا معنى للإيمان إن قدمنا عقلنا على الخبر. عند التعارض لا خير في الإنسان إن قدم خبر عقله على خبر ربه و خبر نبيه. و هو من الكبر ...(بل أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين)

و من التعلق بغير الله استعانة: ترك الدعاء و التوكل و الاعتماد على الاسباب و الحسيات و النفس هذا يزل فيه الكثير من العباد و أصحاب المجاهدات و الساسة. فأما الساسة فيفرطون في التحليل الانطراح على باب من سوى الله من قوى دولية. و أما العباد و الصالحين فيعتمدون على النفس و المجاهدة دون صدق الانطراح و الاستعانة بالله تعالى فلا يجدون العون و لا يحصلون المراد.

2- ترك الطاعة أو التقصير فيها: 
فمن ذلك أن يقصد الإنسان الكمال، فلا طاعة إلا في سياق الكمال و قد يتأثر البعض بشكل غير صحيح بقصص الصالحين الذين كانت حياتهم إما في علم أو عبادة أو دعوة و لا مكان للذنوب في حياتهم. و العافية النظر في أحاديث المصطفى التي حثت على كل و أي عمل صالح " اتقوا النار و لو بشق تمرة" "ابتسامك في وجه اخيك صدقة"  و في النهاية إنما هي حياتك لا يحياة لك غيرها و ما لم تطبك به نفسك كاملاً، فاسرق منها لك ما استطعت.

3- الإيغال في المعاصي:
أن تلق الله بذنب خير من أن تلقاه بذنبين. و باب التوب مفتوح. و الشيطان يحرص أن يوحي للإنسان أن من عصى فهو من جملة العصاة فلوغل "فأتم به المائة"، و العجيب أن هذا الأسلوب إنما نستخدمه مع آخرتنا، أما دنيانا فلا عاقل يعمل ذلك فيها فتأمل. و في الحديث عن شارب الخمر "إنه يحب الله و رسولة" و قد دخل رجل الجنة في غصن أزالة و دخلت بغي الجنة في كلب سقته و في الحديث التوبة تجب ما قبلها" و في الحديث "ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا  إذا ذكر ذكر"


طبعاً أكتب هذا و أنا في حرج من كثرة الذنوب التي أقع فيها و لعل هذا يجد أذناً صاغية و قلباً حياً فينتفع بها فتكفر الزلل. و الله المستعان.


الجمعة، ٦ رجب ١٤٣١ هـ

طهارة الأطفال

الأبناء أكثر ما نحب في هذه الدنيا. هم البراءة و الطهر و الصدق و العفوية.

لماذا تظهر فينا هذه الصفات أجلى ما تكون عندما نكون أجهل ما نكون و في فترة ضعفنا؟

لا ... الإشكال ليس في العلم... (وقل رب زدني علما)...

لكن عندما تخالط قلوبنا الدنيا و نهواها ، تظهر الأخلاق القبيحة اللازمة لتحصيلها و الدفينة في النفس الإنسانية  فتتبعها الأعمال القبيحة.

الرسول صلى الله عليه و سلم كان أطهر البشر و كان رجلاً كامل العلم و العقل.

إن الطهر خيار..


الثلاثاء، ٣٠ ربيع الأول ١٤٣١ هـ

ما جاء في رحلة أبي عبدالرحمن الأزدي إلى أرض الرياض

عن أبي عبدالرحمن الأزدي قال :

شددت الرحل إلى أرض الرياض مع آذان الفجر لأول ليلة من ربيع الآخر لغرض لي فيها ..فدخلت ظاهر البلدة ضحىً، و قد أرجف أهلها بدوابهم و خرجوا في طلب أقواتهم على زحام شديد في طرقاتها و ما هو أن أمعنت فيها حتى هالني ما رأيت...

قال الراوي: فما رأيت؟

قال أبو عبدالرحمن: رأيت بيوتاً على هيئة البلور تلمع و أمماً و عجائب، ما أن تنقضي عجيبة حتى تظهر أخرى...

قال الراوي: فما أعجب ما رأيت؟

قال: و الله كل ما فيها عجيب يا ابن أخي! و لكن دعني أحدثك...بعد أن أعياني المسير - و بينما أنا تائه - إذا بظل يغشاني فظننته سحاب فرفعت بصري فإذا جبل من بلور مصفى رأسه منقور و قد استطال في السماء بعيداً.. فوقفت مشدوهاً أرجع البصر إليه فلا أكاد أرى أعلاه وذكرت قوله تعالى "إذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله".. و بينما أن كذلك إذا لاح لي في الأفق جبل آخر على هيئة سهم أو رمح في أعلاه درة من فضة تزن قناطر كثيرة... فنظرت فإذا هي على ما وصف لي فعلمت أنها ضالتي .. فقصدتها من دون الجبال فأخذت أطوف في الطرقات و لا أهتدي إليها -و هي على مرأى مني- حتى دخلت من إحدى الأزقة فألفيت نفسي عندها...فنزلت عن دابتي و أخذت أطوف بالجبل راجلاً فما وجدت له باباً ألج منه فأخذت أتبع الناس حتى تراءت لي مغارة فدخلت فيها فإذا بي في ساحة مهولة فيها من الولدان و الخدم و الأطعمة ما حير العقول..

قال الراوي: فماذا كان بعد؟

قال: سئلت أحدهم عن علالي شركة الكهرباء ... فنظر في الأفق مشدوها - و قد وجدت أن كل من أسأله عن طريق في بلاد الرياض يشده و ينظر في الآفق- ثم نظر إلي و قال: تخرج من هناك فسترى دهليزاً فاخرج منه و وصف لي صفة الطريق .. فانطلقت لا ألوي على شيء..

قال الراوي: فما صنعت؟

قال: مضيت في الدهليز فخرجت إلى هيئة ساحة مكتوب على جدارها "قاعة سلطان الأمير" أو نحو ذلك فإذا في آخرها دهليز آخر فدخلت منه فإذا بي بأحد الولدان فسألته فنظر في الآفق مشدوها ثم أشار إلي أن اتبعني . فتبعته فأدخلني في شيء كهيئة القفص و أمرني أن أضغط على زر فيها و ذهب و تركني فإذا بالقفص يطبق علي و يعرج بي.. فعلمت أنه الذبح و أني مغدور..

قال: فسلمت أمري إلى الله و وطنت النفس على كل قبيح .. فما هو إلا أن فتح الباب فإذا أنا بخدم مطرزين و إذا برائحة الطعام تفوح.. فتجاسرت و دلفت فسألت أحد الخدم عن الطريق فقال: الطريق أمامك و أشار إلي أن امض... فمضيت فمررت بقوم جلوس على خوانات و أطعمة لا يصح بعضها إلا للسلطان - أدام الله ظله - و إذا بقوم من الروم و الخزر و الهنود و أخلاط من الناس جلوساً عليها يأكلون ... 

قال الراوي: فماذا كان بعد ذلك يا عم؟

قال: رأيت و الله عجباً يا ابن اخي...مضيت في الطريق على ما وصف لي فدخلت فإذا أنا ببهوي عظيم من رخام أسود و إذا بقوم جلوس على طاولة طويلة مهيبة .. فخلتهم قضاة أو من جباة السلطان المختصين به.. فقصدت أولهم فأشار إلى أن اسأل أول جالس فقصدته و إذا بشعار الشركة أمامه فاستبشرت خيراً فقلت له ما قلت للأول، فسألني عن سبب مجيئي .. فتيقنت أنه الحاجب .. و أعلمته أني على موعد مع القوم .. فطلب البطاقة التي عليها الشعار و الصورة فأخرجتها له ..فأخذها مني و أعطاني مكانها بطاقة أخرى لا صورة فيها و لا شعار و عليها رقم فقلت: هذه والله القسمة الضيزى ... فسألته ما أصنع بها.. فقال لي: أمضي بها إلى هناك و أشار إلى دهليز أسود موحش في جوفه أقفاص كهيئة القفص الأول..

قال الراوي: ثم ماذا حدث بعد ذلك؟

قال: مضيت فإذا بممر ضيق عليه سور صغير من زجاج مصفى .. فذهبت لأعبر منه فأطبق على نفسه و لم يفتح لي كما صنع مع من سبقني و أخذت أنظر من أين أتيت.. فأشار علي من خلفي الناس - و قد تدافعوا- بأن ضع البطاقة عليها ففعلت حتى رضيت.. فإذا به يفتح .. فعرفت و الله قدر هذه البطاقة و أن لها شأناً... فمضيت إلى حيث الأقفاص فإذا بأحدها يفتح و إذا بمن حولي يدخلونها على غير خوف فدخلت معهم فإذا به من داخله ممرد من قوارير و إذا به أبهى من الأول ، فعلمت أنه قفص السلطان الذي يعرج به إلى الدرة الفضية... فإذا بخواص السلطان يضغطون على أرقام منحوتة على جدار القفص من داخله و إذا الرقم يضيء كهيئة الشمع... فعجبت و ذهبت أصنع مثل ما صنعوا .. فلا تضيء لي... و أعدت الكرة بلا طائل .. فأشار علي أحدهم ان أمرر البطاقة على الجدار.. فصنعت بها كما صنعت عند باب الزجاج و ضغط على رقمي فأضاء .. فحمدت الله على الفرج.. و شكرت الله على هذه البطاقة المباركة و عقدت العزم على أن لا أعيدها..


قال الراوي: فما كان بعد يا عم؟

قال: أخذ القفص يعرج بنا .. و إذا بصوت يخبر برقم العلالي و لا أرى أحداً يتحدث .. فعلمت أنهم المماليك الذين يجرون القفص من فوقنا ... فنظرت حتى هتف المماليك برقمي.. فخرجت من القفص حين استوى بنا.. فإذا أنا في بيت صغير ساكن لا صوت فيه و لا أرى به أحداً... فخفت و داخلتني هيبه.. فأخذت أمشي في ممراته و إذا فيه غرف مغلقات و على كل غرفة حاجب و أسم لأحد كبار أعوان السلطان أدام الله ظله.. فأخذت أسأل ... فكل حاجب يحيلني على حاجب.. حتى بلغت الحاجب الذي أريد... فأخبرته أني على موعد مع القوم و أني على عجل.. فقال: أي موعد؟ فقلت: أليس اليوم هو كذا و كذا فقال: بلى فقلت: قد قطعت القفار و سرت مسيرة أربعة ايام و عالجت الأهوال لأحضر الموعد فلا تتحاذق و أخبرني عن مكان انعقاد المجلس... فنظر إلى الآفق مشدوهاً.. فقال: نعم.. نعم .. هناك اجتماع و لكنه ليس هنا .. فأسقط في يدي و كأني أوترت مالي.. و قلت له: ويلك فأين هو لا أم لك!.. فقال: في معهد التدريب في محلة الملز..


قال الراوي: فما صنعت؟


قال: أخذت أنظر إلى الأفق مشدوهاً و الله يا ابن اخي...

أ.هـ.


الاثنين، ١ ربيع الأول ١٤٣١ هـ

استخراج الالماس من الشخصيات الوعرة

كثيراً ما نهمل الآخرين لقصور حقيقي فيهم متصورين أنهم هم من جنوا على أنفسهم.

لاحظت أن ذلك ليس خياراً للقائد و أنه بقدر قدرته على تحمل شوك الشخصيات الصعبة، سيجنى جناً من القدرات و الإمكانيات التي قد لا تظهر لأول و هله. فمثلاً قد يكون المرء غضوباً، لكنه شديد التحمل و يمكن الاعتماد عليه و قد يكون صلباً متمسكاً برأيه، لكنه ذكي و دقيق في حساباته. فتحملك لتلك الصفات - و التي كثيراً ما تكون أصلاً في لصفاتهم الحسنة - يؤدي لكثير من الخير و النافع العام.

و صلى الله على نبينا محمد فقد كان مثالاً رائعاً على تحمل الهفوات و استثمار القدرات الكامنة في الشخصيات الوعرة. و لعل حادثة الأعرابي الذي بال في المسجد و الشاب الذي رغب من النبي صلى الله عليه و سلم أن يحلل الزنا مثال بارز يعكس شيئاً من ذلك.

الأحد، ٣٠ صفر ١٤٣١ هـ

عظمة ... العادي

يصبح المرء عظيما عندما يصبح عادياً في ظاهره و باطنه.

زرت مرة الشيخ عبدالعزيز بن باز في منزله في الطائف و رئيته رجلاً عادياً جداً لا يرى لنفسه فضلاً على جلساءه. و رأيت مرة الشيخ محمد بن عثيمين ينحني كثيراً لينزل رأسه على مستوى طفل صغير أراد تقبيله حفظاً لقلب ذلك الطفل على غير إلقاءه بال لذلك.

متى ما تجذر الخير في نفس المرء إلى أن يصير جزءاً منه لا يراه - كما لا يرى وجهه - فقد تشرب ذلك الخير حتى الثماله و تضلع.

كثيراً من الناس "العاديين" نراهم كذلك، لا لكونهم لا يحملون خيراً، و لكن لأن ذلك الخير صار أكبر من أن نراه.